رهبنة والده كان أبوه يدعى قاريوس وكان متزوجًا، غير أنه اشتاق إلى الرهبنة وكاشف زوجته بما في فكره فوافقته على ذلك. وكان له ابن وبنت فتركهما عند أمهما وقصد برية شيهيت وترهب عند شيخ قديس هناك. صبي في البرية بعد قليل حدث غلاء شديد في البلاد، فأخذت المرأة ولديها وذهبت إلى البرية حيث كان أبوهما قاريوس، وشكت له ما تقاسيه من الغلاء وسلمته ولديه. أما هو فقال لها: "إن الله قد قسم بيننا فخذي أنت البنت واتركي لي الولد". فأخذت البنت وانصرفت وأخذ هو الصبي وأتى به إلى الشيوخ، فصلوا عليه وتنبأوا عنه أنه سيكون راهبًا كاملاً. تربى زكريا في البرية تربية صالحة، وتقدم في كل فضيلة. ولحسن طلعته وجمال صورته صار تذمر في الإسقيط بسببه، إذ قالوا: "كيف يكون صبي مثل هذا في البرية بين الرهبان؟" فلما سمع القديس زكريا بهذا ذهب إلى بحيرة النطرون ومن غير أن يُعلم أحدًا، وخلع ثيابه ونزل في البركة وانغمس فيها عدة ساعات فتحول لون جسمه إلى السواد وصار كالمجذوم، ثم صعد من الماء ولبس ثيابه وأتى إلى أبيه، فلم يعرفه إلا بعد أن تفرس فيه جيدًا، ولما سأله عن الذي غير منظره أعلمه بما عمل. لما كان يوم الأحد مضى مع أبيه إلى الكنيسة ليتناول الأسرار المقدسة، فكشف الله للقديس إيسيذورس قس الإسقيط ما صنعه القديس زكريا، فتعجب وقال للرهبان: "إن زكريا تقدم في الأحد الماضي كإنسانٍ، أما الآن فقد صار ملاكًا". حاز هذا القديس جميع الفضائل وخصوصًا التواضع، فكان فيه كاملاً حتى أن أباه قال عنه: "إنني تحملت تعبًا كثيرًا في الجهاد ولكنني لم أصل إلى رتبة ابني زكريا". أقام هذا القديس مجاهدًا وناسكًا خمسًا وأربعين سنة، ودخل إلى البرية وهو ابن سبع سنين، فكانت أيام حياته اثنتين وخمسين سنة، ثم تنيح بسلام.