ما وراء العقل ...
( 5 ) رسالة صديق ..
من المؤكد أن ( هيوارد ويلار ) ، المذيع المعروف باذاعة مدينة ( شارلوت ) الأمريكية ، لن ينسى ابدا احداث تلك الليلة ..
ليلة العاشر من يونيو ، عام 1962 م ..
ليس هذا لأن ( هيوارد ) قد اجرى حديثا اذاعيا ممتازا فى هذا التاريخ ..
ولا لأنه حصل على ترقية ، أو علاوة ، أو حتى ابتسامة من رئيسه فى العمل ..
بل لأنه تلقى فيه رسالة ..
هل ادهشكم الأمر ؟ ! ..
دعونا اذن نشرح الأمر منذ البدايه ..
فى ذلك اليوم انتهى ( هيوارد ) من عمله بدار الأذاعة ، وعاد الى منزله فى منتصف الليل تقريبا ، فتناول طعام العشاء ، واستعد للذهاب الى فراشه ، بنفس الروتين اليومى ، الذى اعتاده منذ سنوات وفجأة تجمد ( هيوارد ) فى مكانه ، وبدا لزوجته لحظة اشبه بتمثال من الشمع ، لرجل مذعور اتسعت عيناه ، وانفغر فاه ..
وفجأة ايضا ، التفت ( هيوارد ) الى زوجته ( بات ) ، وقال فى توتر :
- أسمعت الصوت ؟
سألته زوجته فى قلق :
- أى صوت ؟
قال فى حيرة :
- صوت ارتطام السيارة .. هناك حادثة سير .
رددت فى قلق اكثر :
- حادثة سير ؟ ! .. اننى لم اسمع شيئا .
خيل اليها انه حتى لم يسمعها ، وهو يندفع نحو حجرته ، قائلا :
- سأستطلع الأمر ، وأعود اليك على الفور .
هوى قلبها بين قدميها ، عندما رأته يرتدى ثيابه على عجل ، ويسرع الى حيث سيارته ، وتساءلت فى هلع : " هل اصيب ( هيوارد ) بالجنون ؟ " ..
هل فقد عقله ، مع شدة انهماكه فى عمله ؟ ..
فكرت فى الأتصال بطبيبهما الخاص ، خشية ان تكون حالة ( هيوارد ) شديدة الخطورة ، ولكن
( هيوارد ) لم يمهلها الوقت لهذا ، فقد انطلق بسيارته ، قبل حتى ان تتخذ قرارها ..
وبالنسبة اليه ، كان الأمر اكثر حيرة ..
لقد سمع صوت اصطدام السيارة فى وضوح ، ولكنه لم يجد سيارة واحدة تتحرك ، عندما غادر البيت ..
وهو واثق مما سمع ..
وعندما ادار محرك سيارته ، لم يكن يدرى بعد ، الى اين يتجه ..
ولأن منزله يقع عند نقطة ، تتفرع منها عدة طرق ، فقد كان عليه ان يتخذ قراره باختيار الطريق الصحيح الذى يتخذه ، ليصل الى منطقة التصادم ..
هذا لو انه هناك تصادم ! ..
وبلا تردد ، وبثقة لم يدر من اين حصل عليها ، انطلق مباشرة فى شارع ( بارك ) ، وعندما بلغ تقاطع ( وودلون ) ، انحرف يمينا ليهبط التل فى ثقة ، وكأنه يعلم مسبقا الى اين يتجه ..
وعندما بلغ موقع تجمع مراكب صيد الجمبرى ، وجد نفسه يتخذ طريق ( مونتفورد درايف ) ، بنفس الثقة العجيبة ..
وقطع ( هيوارد ) ستين مترا فحسب ، فى طريق ( مونتفورد ) ، ثم وجد نفسه يتوقف فجأة ..
هنا .. فى هذه النقطة بالذات ، وحيث لايوجد اى شئ محدود ، كان يشعر بضرورة الخروج عن الطريق الرئيسى ..
ومجنون هو من يفعل هذا ، فى الواحدة صباحا ..
( هيوارد ) العاقل يعلم هذا ، ولكن ( هيوارد ) الذى يقود السيارة لم يمكنه مقاومة هذه الرغبة ، فأنحرف يمينا ، وخرج عن الطريق ، واتجه مباشرة نحو شجرة ضخمة ، ترتفع وسط طريق رملى يمتد الى ما لا نهاية ..
وهناك رأى السيارة ..
رآها فجأة على ضوء مصباح سيارته ، فضغط كامح السيارة فى قوة ، وتوقف الى جوار السيارة ، التى ارتطمت مقدمتها بعامود معدنى ، على مقربة من جذع الشجرة .
وانتزعت الضربة محركها ، ودفعته الى حيث مقعدها الأمامى ، من شدة الأصطدام وعنف الصدمة وغادر ( هيوارد ) سيارته ، وأسرع نحو السيارة المصابة ..
ولم ير ( هيوارد ) احدا داخل السيارة ، ولكنه سمع من داخلها صوتا ضعيفا واهنا ، يقول :
- النجدة يا ( هامبى ) .. انقذنى .
وقفز قلب ( هيوارد ) بين ضلوعه فى هلع ، وانقض على السيارة ، وراح يفحص حطامها وهو يهتف :
- أنا هنا يا ( جو ) ..
سأنقذك يا صديقى .
وأخيرا عثر ( هيوارد ) على صديق عمره ( جون فندر بيرك ) محشورا وسط الحطام ، ومصابا بجروح شديدة ، والدماء تنزف منه فى غزارة ..
وحمل ( هيوارد ) صديق عمره الى سيارته ، وأنطلق به الى اقرب مستشفى ، حيث اجريت جراحة عاجلة ل ( جون ) ، تمكن خلالها الأطباء من انقاذ حياته بمعجزة ، وقال الجراح الدكتور
( فيليب ماك آرنى ) ، الذى اجرى العملية ل ( جون ) : انه لو تأحر ( هيوارد ) عن انقاذ صديقه ربع ساعة أخرى ، للقى ( جون ) مصرعه وسط الحطام ، دون ان يشعر به مخلوق واحد ..
وهذا صحيح ..
فالتقرير الذى نشرته جريدة ( شارلوت نيوز ) ، يقول انه ، وعلى الرغم من ان طريق ( مونتفورد درايف ) هذا طريق شديد الحيوية ، الا ان احدا لم يمر به منذ وقع الحادث ، وحتى مرور 45 دقيقة من انقاذ ( هيوارد ) لصديقه ..
والعجيب ان ( هيوارد ) قد سمع صوت الحادث ، على بعد عشرة كيلو مترات ، فى نفس اللحظة ، التى اصطدمت فيها سيارة ( جون ) بالعامود ، وقد اثبتت الأبحاث انه لم يقع اى حادث مماثل ، فى دائرة قطرها خمسين كيلو مترا من منزل ( هيوارد ) ..
وبسؤال ( جون ) ، قال : ان اول ما فكر فيه ، عندما ارتطمت سيارته ، هو صديق عمره (هامبى)
وهو الأسم الذى يخاطب به ( هيوارد ) منذ طفولتهما ..
ولكن كيف حدث هذا ؟ ..
كيف استقبل ( هيوارد ) رسالة صديقه ؟ ..
دعنا نسأل العلماء ..
وهؤلاء العلماء يقولون : ان ( هيوارد ) قد تلقى رسالة عقلية من صديقه ( جون ) ، بوسيلة خارقة من وسائل التخاطب العقلى ، تعرف باسم التخاطر ، او ( التليباثى ) ..
ويقول العلماء ايضا : ان الظروف التى تم فيها ارسال واستقبال هذه الرسالة ظروف مثالية ، اذ ان المادة المسئولة عن تقوية ارسال التخاطر العقلى ، هى مادة ( الأدرينالين ) ، التى يتم افرازها عن التوتر والقلق والخوف ، والأصابة ، اما المادة المسئولة عن استقبال الرسائل ، فهى مادة ( الكولين استراز ) ، وهى مادة تفرز عند الاسترخاء والهدوء النفسى ..
وعندما حدث التصادم ، كان ( جون ) فى حالة ( ادرينا لجيا ) ، اى فى حالة افراز شديد للأدرينالينفى حين كان ( هيوارد ) يهم بالنوم ، اى كان فى حالة ( كولينر جيا ) ، اى استرخاء كولينى ، وهذه هى الظروف المثالية تماما لنقل واستقبال رسالة عقلية تخاطرية ..
ولكن كل هذه الأمور مجرد دراسات غير مؤكدة ، ونظريات غير موثوق بها ..
المهم ان ( هيوارد ) قد تلقى رسالة ( جون ) ..
اما بالنسبة لكيف ، فلندع هذا للدارسين ، ولعلماء الظواهر الخارقة ..
ولما وراء العقل ..
*********************