العلامة الروحانى الأب متى المسكين
إن حياة أبينا الراهب القمص متى المسكين هى نسمة حياة أعادت لنظم الرهبنة القديمة إمتداداً , وأحيا من جديد روح الآباء النساك الأوائل وبرهن
على أنها لم تختفى تماماً من أديرتنا المصرية القديمة بعد أن دخلتها الأجهزة الحديثة فأضاع تحديث بعضها معنى التقشف فى العبادة , وابونا متى المسكين هو كوكب من كواكب البرية هو علامة روحانى فى جيلنا العظيم , ومع أن هناك عظماء يرحلون عنا فبلا شك يولد عظماء يستلمون مشعل الإيمان ليستمر نور المسيح فينا فيراه العالم .
ابدأ بتأمل لأبونا متى المسكين عن آية " فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. غلاطية 5 : 15 " ثم أليس هذا الكلام مصوب نحونا حتى لا نجرى وراء الشكليات و توافه العبادة و نترك القلب و الضمير تتحكم فيه الشهوات و النزوات . و نؤدي الفروض و الواجبات تمام الأداء و تقصر روحنا حتى عن محبة القريب و لا أقول محبة العدو , فلا حصلنا ظل دعوة الله بالروح و الحق و لا حصلنا حتى دعوة الناموس للجسد !!!! و حينما يقول القديس بولس لأهل غلاطية (تنهشون و تأكلون بعضكم بعضا ) أليس هذا عين ما نمارسه نحن و الكنيسة من نقد مر أليم جارح للغير , واغتياب الغائب بأقبح الأوصاف و الاتهامات لإرضاء نزوات و عداوات قلوبنا التي تغربت عن المسيح تغرب أهل غلاطية عن القديس بولس ؟ أليست رسالة القديس بولس لأهل غلاطية هي رسالة الساعة من المسيح لكل قارئ و سامع عن قرب أو عن بعد ؟ فكل من يسمع حتى من الخارج ما يحدث الان في الكنيسة بين أولادها و رؤسائها و قد فاحت رائحة النهش على صفحات الجرائد و المنشورات و قرأها رجل الشارع و المقهى كما قرأها الحكيم و الأديب و الكاتب من كل مله فصفر بفمه و ضرب كفا على كف لماذا يخرج هذا الشعب أسراره على الملأ ؟ فيا شعب المسيح المبارك عودة إلى الإنجيل ! اذكروا غيرة صباكم على الحق و العدل و الرحمة و المحبة , لماذا تغربت عن أنفسكم الوديعة و قلوبكم الطيبة المحبة . اذكروا مرشديكم في الرب , اذكروا آباءكم العظام فى النعمة و الحكمة الذين كانوا فخرا و نورا للكنيسة و الشعب و الأمة !! من كتاب تفسير رسالة القديس بولس الرسول الى اهل غلاطية – صفحة 339 – الطبعه الاولى – سنة 1996 – للاب متى المسكين
ولكن من هو الأب متى المسكين ؟ : ولد المتنيح فى عام 1919 م وسجله ابواه بإسم اسمه يوسف إسكندر فى مدينة بنها ونشأ في أسرة متدينة وتربي في أحضان الكنيسة وإجتاز مراحل التعليم المختلفة وبعد حصوله على البكالوريا ( الثانوية العامة ) إلتحق من كلية الصيدلة فؤاد الأول ( القاهرة حاليا ) حتى تخرج عام1944 م وكان في شبابه من خدام مدارس الأحد الغيورين بالجيزة التي كانت أحد المراكز المهمة لهذه الخدمة في ذلك الوقت وأشتغل في مهنتة حتى سنة 1948م حيث كان يمتلك صيدلية ( صيدلية مصر ) في دمنهور - تتلمذ روحيا على يد الأب مينا المتوحد فى مصر القديمة الذي صار فيما بعد البابا كيرلس السادس ، وذلك في كنيسة مار مينا بمصر القديمة . كان زميله في هذه التلمذة " سعد عزيز " الذي صار فيما بعد الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الراحل. ولما تحقق أبوهما الروحي من صدق دوافعهما الروحية ، أرسلهما إلى دير الأنبا صموئيل للرهبنة ، ويعد الاثنان أول خريجين من الجامعة يدخلان الرهبنة وأول مدرسين ( خادمان ) من حركة مدارس الأحد يترهبنان
وكان دائماً هناك صوتاً فى أذن يوسف أسكندر يرن أترك كل شئ وأتبعنى فسمع صوت الرب وأطاعه , وإذا كان سيسير وراء معطى الأرزاق فأى شئ يحتاجه إذا !! فباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ولم يحتفظ إلا بثمن التذكرة ذهاب وتمت رسامته راهبا باسم الراهب متى الصموئيلي في 10 أغسطس 1948 م على يد القمص مينا الصموئيلى رئيس الدير .
وقد كان له حرية الأختيار فإختار هذا الدير لأنه كان أفقر دير وأبعد دير عن العمران وأكثرهم عزلة ., وفى دير الأنبا صموئيل إزداد نسكاً وصوماً وتعبداً فسرعان ما هزلت صحته ، فأجبر على الانتقال إلى دير السريان ـ وادي النطرون (سنة 1951) حتى يستعيد قوته وهناك تقبَّل نعمة الكهنوت رغماً عنه . على يد الأنبا ثاؤفيلس وتسمى بأسم متى المسكين .
وعاش الأب متى المسكين متوحداً في مغارة وسط الصخور بعيداً عن الدير وكان الأب متي المسكين قد اختار المغارة التي تجاور البابا شنودة الثالث .. كان البابا "يتسلي" بقتل الحيات والعقارب.. وكان يعيش علي الخبز الجاف وقطرات من المياه. ، وبعد سنتين، كلف أن يصير أباً روحياً لرهبان الدير وخاصة للشباب المتقدم للرهبنة حديثاً. وهكذا صار رائداً للنهضة الرهبانية في الكنيسة القبطية في هذا الجيل , وفى حياته الرهبانية جذب كثير من الشباب فقد دخل دير أبو مقار وفيه خمسة رهبان ورحل عنه والدير عامر بـ 130 راهبا , لهذا يمكن أن نطلق عليه باعث النهضة فى الحياة الرهبانية فقد بدأت أول جماعة رهبانية في العصر الحديث كما كانت الرهبنة في بدء تكوينها.
***********************************
وفي عام1954م وقع إختيار الأنبا يوساب الثاني بابا الإسكندرية الـ 115 على أبونا متى المسكين ليكون وكيلا له في مدينة الإسكندرية بنفس درجته الكهنوتية إيغومانس قمص فمكث في الإسكندرية لمدة عامين وفي عام1955م قدم استقالته وآثر العودة إلي مغارته ليكمل حياته الرهبانية ليعيش حياة الوحدة والاتحاد مع الله وترك في شعبها أثرا روحيا عميقا في حوالي40 كنيسة ولكن تبعه بعض التلاميذ من طالبى حياة الرهبنة .
وعندما عاد لديره ليصير أبا روحيا للرهبان وقد تتلمذ على يديه كثير من الرهبان الذين احتلوا مكانة مرموقة في الكنيسة فيما بعد ...ولمزيد من الهدوء ترك دير السريان عام1956 م وعاد إلي دير الأنبا صموئيل وتبعه تلاميذه الجدد من شباب الرهبان إلي هناك.
فى سنة 1957 م رشح للبطريركية ضمن مجموعة من الرهبان (مع مجموعة من خدام مدارس الأحد ) ولكن لم تنطبق عليه لائحة 1957 فى ذلك الوقت
ولكن ما تردد هو أنه لمزيد من التوحد والنسك في العبادة ذهب هو وتلاميذه إلي صحراء وادي الريان ( علي بعد50 كيلو مترا من أقرب قرية مأهولة بالسكان في محافظة الفيوم ( أغسطس 1960 – 9 مايو 1969 ) , وعاشوا في كهوف محفورة في الجبال حفروها بأيديهم مشابهة تماما في كل شئ لحياة آباء الرهبنة الأول الأنبا أنطونيوس والأنبا مقاريوس واستمروا هكذا عشر سنوات وازدادت جماعته الرهبانية بالرغم من انقطاع كل صلة بينهم وبين العالم, عاش فترة مع مجموعة من الرهبان في وادي الريان بصحراء الفيوم ونورد هنا تعليق الأب متى المسكين على هذه الفترة معلقاً فى كتاب قام بتأليفه عن أمر الإمبراطور يوليان بطرد البابا اثناسيوس من الإسكندرية مقر أسقفيته فقال : " وصلنا امر مشابه أن نغادر القاهرة فى ظرف 24 ساعه على يد أثنين من المطارنة هما أنبا بنيامين مطران المنوفية السابق وأنبا مينا مطران جرجا فغادرناها غلى وادى الريان ظللنا نعبد ونصلى 10 سنوات حتى وصلنا أمر بالعودة فعدنا ولربنا الأمر أولاً .
وفي عام 1969 م دعاه البابا كيرلس السادس بابا الكنيسة الأرثوذكسية الـ 116 هو وجماعته الرهبانية وعددهم12راهبا للانتقال إلي دير أنبا مقار بوادي النطرون(الدير من القرن الرابع)ولم تكن فقط الحياة الرهبانية قد أصيبت بالهزال والضعف الروحي ولم يكن في الدير أكثر من خمسة رهبانا ( مسنين ومرضي ) ولكن كانت مباني الدير علي وشك الانهيار أيضاً .
وقال القديس البابا كيرلس السادس بالحرف الواحد للأب متي المسكين : " إن شاء الرب الدير يعمر علي يديك وتملأ البرية رهبان."
وفى عام 1971 م رشح مرة أخرى للبطريركية ضمن 9 من الآباء ولكن فضل الرب أن يخدم فى موقعه
والرئيس الفعلي لدير أبو مقار هو نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط منذ عهد الأنبا يوساب الثاني وكان من رهبان دير أبو مقار باسم القمص متياس.
وحدث أن أصبح الأنبا ميخائيل مطران أسيوط فأصبح الدير في حاجة إلي أبوة روحية , وبانتقال الأب متي المسكين إلي دير أبو مقار أوكل الأنبا ميخائيل كل أعمال الدير للأب متي المسكين, ومنذ وطأت قدماه الطاهرتان دير أبو مقار حدثت نهضة روحية وعمرانية , اتسعت مساحة الدير ستة أضعاف المساحة الموجودة أصلا, وأصبح الدير مزارا روحيا للمسيحيين من كل أنحاء العالم , ويوجد في الدير حاليا130راهبا.
وما شاهده دير أبو مقار علي امتداد هذه السنين وحتي اليوم ينطق ببركة الأب متي المسكين فكان كل ما يصنعه يداه ويفكر بعمله ينجح فيه فقد كان يرفع صلوات وابتهالات قبل أن يبدأ فى عمل ما وكان الرب يستجيب ولا شك أن الأقباط يرون بعيونهم ثمار صلاة ابونا متى المسكين فى الدير التى تنطق بعظمه إيمانه.
إكتشاف رفاة يوحنا المعمدان فى مصر
وفى عام1976م أذاعت وكالات الأنباء خبر اكتشاف مقبرة القديس يوحنا المعمدان في دير أبو مقار...يومها تسابق الإعلاميون من كل دول العالم إلي برية شيهيت حيث يقع الدير عند الكيلو92علي طريق مصر-الإسكندرية الصحراوي....فالعثور علي جسد يوحنا المعمدان في ذلك الوقت كان بالتأكيد بصلواته ليعرف العالم بركة المكان العامر بالرهبان المصريين,ونزوعه إلي الخلوة كان درسا غير مكتوب عن حياة الرهبنة .
نهضة رهبانية وروحية وعملية
في مايو1969 م وطأت قدماه دير أبو مقار, وفي يونية2006م دفن جسده في ثري الدير الذي أحبه وقام بتعميره وعاش فيه ثلثي حياة رهبنته الممتدة لنحو ثمانية وخمسين عاما قضي منها سبعة,ثلاثين عاما في دير أبومقار, وهي السنوات التي شهدت نهضة رهبانية وإقبال الشباب الجامعي والمثقف علي حياة النسك والعبادة في الأديرة بعد أن وجدوا في الصيدلي الراهب متي المسكين مثالا وقدوة...وتضم قلايات الدير أكثر من120راهبا لا يقتصر دورهم علي عبادة الله في نسك,إنما لكل منهم تخصصه وعمله فتحولت أرض الدير الجرداء إلي مزارع ومراع , فمن بين2700 فدان تمثل كامل مساحة الدير هناك مساحات تصل إلي1500فدان مزروعة بالزيتون والبلح والتفاح والموز والمانجو والبطاطس يتم توزيعها علي الداخل وللتصدير إلي الخارج,ويحسب لدير أبو مقار نجاحه في تطوير زراعة البنجر في مصر عن طريق بذور تم استيرادها من ألمانيا لبنجر السكر وبنجر العلف الحيواني,وقد كتب أحد زوار الدير أن مكافأة الرب لرهبان الدير كانت سخية فكل حبة عرق تسقط من جبين راهب علي رمل الصحراء تنبت زرعا أخضر وفيرا وخيرا, فهم يعبدون الله بالصلاة والجهد والعرق والعمل...وحياة الرهبان فى دير أبى مقار هى وزنة من حياة الدموع والعرب علمها الأب متي المسكين فثمرت ثلاثين وستين ومائة حتي أن البعض يعدون دير أبو مقار أغني الأديرة القبطية خاصة بعد أن أهدي الرئيس الراحل أنور السادات للقمص متي المسكين 2000 فدان بعد أن لمس الجهد الدؤوب والمبادرات العلمية التي أفرزتها عقليات الرهبان الجامعيين وحينما يعطى شخص مسلم أراد أن يقضى على المسيحية فى مصر مثل الرئيس أنور السادات إلى دير مسيحى هذه المساحة من الأرض وبالرغم من عدائه الظاهر والخفى للمسيحية والمسيحيين فى مصر , لا نقدر إلا أن نقول حقاً أن الرب : " من الجافى أخرج حلاوة "
البابا شنودة وأبونا متى المسكين
وأحدثت كتاباته الكثيرة رواجاً وسط الأقباط حيث أنه قام بالبحث العميق فى دراسات روحية ولاهوتية عميقة وجديدة على النظام القبطى فتقبلها البعض ورفضها البعض الاخر خاصة فى صفوف الكنيسة القبطية ورددت مجلة الكرازة : " أن البابا أختلف معه فى أمور عقائدية ولاهوتية أصدر البابا بعدها 8 كتيبات وقام بتدريس ذلك فى الكلية الإكليريكية وقيل للبابا لماذا لا تحكم عليه كنسياً فأجاب بعبارته المعروفة نحن لا نحارب شخصاً ولكن نحارب فكراً " تعليق من الموقع : لقد صدر عدد مجلة الكرازة هذا بتاريخ الكرازة السنة 34 العددان21-22 23 يونيو 2006 م والبابا شنودة فى رحلة علاج لألمانيا والروح الذى كتب مقال نبأ وفاة أبونا متى المسكين لا تعبر عن الروح المسيحية الحقة ولكن كانت مجرد هجوم على رجل ناسك وعلامة روحانى توفى , والمعروف عن البابا شنودة الثالث صلابته بالنسبة للعقيدة المسيحية فإذا كان أمر خطير فى العقائد أو اللاهوت ولا يتخذ قرار كنسى يعتبر ان مجلة الكرازة تطعن فى مقدرة البابا على الحفاظ على الإيمان المسيحى وقالت مجلة الكرازة أيضا أن البابا كيرلس عزله لمدة 9 سنوات من الرهبنة والكهنوت من عام 1960 - 1969 م ومن المعروف أن البابا كيرلس السادس أبعد أيضاً الأنبا شنودة عن أسقفيته عندما كان أسقفاً للتعليم .
وقد ساهم الرئيس محمد أنور السادات فى وضع حرج للأب متى المسكين فقابلة سنة 1981 م ,وعندما غضب الرئيس الراحل السادات من البابا شنودة عام 1981، استقبل الأب متى المسكين وعرض عليه منصب البابا، إلا أنه رفض ونصح السادات بالتعامل مع البابا كزعيم روحي ، في حين يقول معارضو الأب متى المسكين إنه كان وراء فكرة استبعاد البابا شنودة آنذاك وإبقائه في الدير، واختيار لجنة خماسية تدير شؤون الكنيسة لم يكن من ضمنها .
وقد آثر الأب متى المسكين الصمت طوال السنوات التي تلت استبعاد البابا منذ عام 1981، وتفرغ لتأليف الكتب الدينية والفلسفية، في الوقت الذي منع فيه البابا شنودة بيع وتوزيع بعضها في مكتبات الكنائس القبطية، وظل الأب متى المسكين لا يحمل سوى رتبة قمص، ولم يتم اختياره أسقفًا حتى رحيله وقام السادات بنشر مقالات عن الكنيسة والسياسة أخذها من أحدى كتب أبونا متى المسكين القديمة , ونشرها فى جرائد الحكومة المصرية بعد أن نفى البابا شنودة الثالث لإظهار وجهة نظر مسيحية بما يعنى أن البابا شنودة الثالث يتدخل فى السياسة وهو رجل دين فأحدث جفوة بين الأثنين وفى يوم الأحد الثالث من نوفمبر 1996م زار قداسة البابا دير أنبا مقار والذي توافق مع اليوبيل
الفضي لتجليس قداسته بطريركا علي الكرازة المرقسية